Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مدونة انمور امازيغ تغجيجت
16 avril 2008

الأمازيغ والمخزن

 

الأمازيغ والمخزن

إبراهيم أمكراز

"باحث في الدراسات المغاربية المعاصرة

ورثت الدولة المغربية لما بعد 1956 عن سلطات الحماية المنطق اليعقوبي الهادف إلى التغلغل في أحشاء المجتمع المغربي عبر أجهزة ضبطية، لتفكيك البنيات التقليدية السائدة، فعمل مخزن ما بعد 1956 على التوفيق بين مرجعيتين، تنبني أولهما على إرث الماضي بعاداته وتقاليده المخزنية، فيما تنبني المرجعية الثانية على إرث الحماية المتجسد في آليات وبنيات تحتية معقدة مختلفة عن الخصوصية المغربية، مع الحرص على إقصاء وطمس معالم أي ثقافة منافسة أو سياسة غير ضامنة للاستمرارية والطابع المحافظ للدولة، ليكون النهج المنتهج في مغرب المستقبل يمكن إلى حد بعيد في التوفيق بين هذين الإرثين، حيث يقوم التصور المخزني للسلطة على أساس ديني، فالسلطة لدى المخزن كل لا يتجزأ، وأنها حق إلهي ووراثي مبني على النسب الشريف المنتهي إلى آل البيت، وهو الأمر الذي كرسته فصول عدة من الدساتير المغربية منذ أول دستور إلى آخرها، وعلى هذا الأساس كان ضروريا أن تقوم كل مؤسسات الدولة وفق هذه الأرضية، المرتبطة بالإسلام والعروبة.

         عمل المخزن منذ الثمانينيات على تعويض التحالف مع النخب القروية فيما بعد سنة 1956، إلى التحالف مع الطبقة الوسطى المتصاعدة، وعمل المخزن على إفراغ بعض فعاليات المجتمع المدني منذ أواخر التسعينيات "ازداد من حدثه مع مطلع الألفية الثالثة" من خطابها عن طريق إحداث مؤسسات رسمية تتبنى نفس الخطاب أو جمعيات محسوبة على الدولة، من أجل اختراق كل مجالات الفعل والتفكير التي يتحرك فيها الفرد، فعملت الدولة على توسيع المجال السياسي للدولة على حساب المجتمع، ولتحقيق ذلك كان من الضروري تعبيد الطريق لهذه الأوراش الكبرى في ذهنية "الرعية" عبر شعارات رنانة مكونة من أقل عدد من الكلمات خفيفة على اللسان كثيرة الوقع على نفوس الشعب الوفي، ويكفي أن نذكر منها "دولة الحق والقانون".

في مقابل ذلك ألم يحن الوقت بعد لتقييم ما تحقق من دولة الحق والقانون؟ ألم يحن الوقت لمعرفة الخونة الجدد للشعب المغربي؟ ألم يحن وقت محاسبة مختلسي المال العام وجلادي الشعب؟ ألم يحن الوقت لأن يقدم الشعب حصيلته؟

- تمهيد:

         تستخدم عبارة الإنتقال الديمقراطي لوصف حالة بلد ما يتخلى عن نظام حكم سلطوي غير ديمقراطي، ليدخل تدريجيا وبشكل سلمي في تجربة جديدة تؤطرها منظومة مقاربات أكثر ديمقراطية، وتركز على نظرة جديدة في علاقة الحاكمين بالمحكومين بتحسينها الذي يتجسد في تحسين إدارة الحكم وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، كما يعتمد على مبدأ الإلتزام، أي التزام السلطة المتجسد في الدولة بجميع أجهزتها بالتخلي عن النظام السابق للدخول في حالة جديدة تعلنها للشعب وتلتزم بالعمل لتحقيقها، أي أن تقدم مشروعا مجتمعيا متكاملا وواضحا، تعمل فيه جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها بطريقة متوازية قصد تحقيقه، ويتميز الإنتقال بتقييمه ونقده للماضي ومحاسبة كل المتورطين في أوراش الفساد وخرق الحقوق الجماعية والفردية ومعاقبة الجلادين، إلا أن مؤشرات الإنتقال الديمقراطي الحقيقية في أي بلد تنطلق من الدستور، ولعل أكبر دليل على ذلك التجربة الموريتانية الحديثة التي وعد فيها الرئيس محمد ولد علي فال قبل عامين عقب قيامه بانقلاب على معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وصدق بعد عامين من المرحلة الإنتقالية، وهنا يمكن بالفعل الحديث عن (الإنتقال الديمقراطي) حيث تم تقديم نقذ موضوعي لما كان يطبع الحياة العامة الموريتانية من قبل وتم الإعلان عن فتح أوراش عمل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، من أجل الإنتقال بالبلاد نحو الديمقراطية، الشيء الذي لم يكن في إطار الوثيقة الدستورية التي وضعها ولد سيدي احمد الطايع، ولكن من خلال بيئة قانونية جديدة، وها هي موريطانيا اليوم تحقق معدل التنمية الأول من نوعه على مستوى القارة الإفريقية، حيث بلغ 19,17 بالمائة سنة 2006.

كان هذا تمهيدا لتناول موضوع الحركة الأمازيغية ودمقرطة الحياة العامة المغربية، حيث كان لدى الحركة الامازيغية وعي مبكر بضرورة الحماية الدستورية للأمازيغية، وهو الشيء الذي لم تتردد في إعلانه من خلال ميثاق أكادير الذي جعل من إعادة النظر في النص الدستوري المدخل الحقيقي لتحقيق مطالب الحركة الأمازيغية، وعبرت الحركة الأمازيغية في مختلف مكوناتها أن حلم تحقيق المشروع المجتمعي الحداثي في ظل دولة الحق والقانون وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية بالمغرب لا يمكن أن يتعايش مع الوثيقة الدستورية المؤطرة حاليا لقواعد اللعبة السياسية والحياة العامة بالمغرب.

        إن قبول النخبة الأمازيغية التقليدية بالسقف الممنوح (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) وضع الحركة ككل في مفارقة كبرى وهو ما جعلها في نظري تتخبط حاليا في العديد من المشاكل الذاتية والموضوعية، فتعاقدها " النخبة" مع الدولة كان بمثابة الإعلان عن تراجعها على اعتبار الحماية الدستورية للأمازيغية هو المدخل للنهوض بها، وهو القرار الذي اتخذته هذه النخب دون أدنى استشارة لقواعدها، بل كانت جاحظة العينين في أن يبرر بعضهم أن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة شخصية لا دخل لأحد سواه فيها، وأثبت التهافت إلى كراسي المعهد هشاشة الحركة ذاتها وضعف الإيمان بالديمقراطية كفكرة وكآليات.

- الحركة الأمازيغية وأزمة الذات:

الحركة عبارة عن مكونات مختلفة ومتنوعة من حيث التنظيم والرؤية، توحدها الأهداف والمبادئ المشتركة كي تشكل نسقا من التحولات يظل قائما ويزداد ثراءه بفضل الدور الذي تقوم به هذه التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن نسق حدود ذلك النسق، أو أن تهيب بأي عناصر أخرى تكون خارجة عنه، والمهم هنا هو العلاقات القائمة بين تلك العناصر المكونة لها على اعتبار أن الكل ليس إلا الناتج المترتب على تلك العلاقات أو التأليفات، فيكون ضروريا أن تنطوي الحركة على ديناميكية ذاتية داخلية دون التوقف على العوامل الخارجية فقط، حيث لا يمكن ضمان الإستمرارية والوجود مع حالة السكون المطلق، وتنظيم الحركة نفسها بنفسها "التنظيم الذاتي" "autoréglage" يحفظ لها وحدتها، ويكفل لها المحافظة على بقائها واستمرارها، ويحقق لها مجالا للإنغلاق الذاتي في المجال التنظيمي.

كان من الممكن أن تنطبق هذه التحديدات (من التحديد) على الحركة الامازيغية قبل مدة، إلا أنه يصيرا عسيرا أن نقف عند جزء من هذه التحديدات حاليا في الحركة الأمازيغية، حيث أن العلاقات بين أطراف الحركة الأمازيغية أضحت غامضة، ومعقدة وعسيرة الوصف.

لم يعد التنسيق لدى الحركة الأمازيغية خيارا استراتيجيا للجمعيات، بقدر ما أصبح التفريق ميزة جديدة للحركة، وأصبحنا نرى أمازيغ قادرين على التحالف مع الشيطان ضد غيرهم من الأمازيغ الرافض أو المخالف لهم من حيث الرؤى والمواقف، ونمى داخل الحركة حقد وكراهية لا يوصفان، وأصبحت بعض الجمعيات عبارة عن فروع ل إركام، وواجهة إشهارية لتسويق سلعه، فيما أصبحت بعض الفعاليات الأمازيغية هيئة للدفاع في وجه كل من تسول له نفسه الحديث عن المعهد، فأصبح الغموض يكتنف الحدود بين عمل الجمعيات وعمل المعهد، وتم تذويب استقلالية الجمعيات وتنوعها، واستبدال المبدأ بالتكاثر، ولم نعد ندري ما إذا كنا أمام جمعيات أمازيغية حقيقية يمكن أن نعتبرها بمثابة مؤسسات مدنية فاعلة ومستقلة أم أنها لا تعدوا أن تكون سوى جزء من الديكور التأثيثي للمشهد الجمعوي بالمغرب، ولا نفهم طبيعة علاقتها بالدولة ومؤسستها وعلاقاتها بالمجتمع، فحلت السهرات الفنية والغنائية "وأحيانا الليالي الحمراء" محل الندوات الفكرية والثقافية، وأصبح الأمازيغ فاعلين لا يعملون إلا بمقابل من المعهد، وانتهى بذلك عهد الأنشطة الفكرية الجادة التي تدفع تكاليفها بشكل تضامني من جيوب المناضلين، وأصبح الجل يهتف بعهد الأخذ وانصرام زمن العطاء، وانتشرت ثقافة الخنوع والاتكالية.

إلا أن هذه النزعة الفردانية خلقت ما يمكن أن نسميه ب"الأنا الجمعوي" والأنا طفل الفلسفة المدلل على حد تعبير كلود ليفي-اشتراوس، جاء ليشغل مكانة الصدارة في واجهات الجمعيات الأمازيغية، فتوقف بذلك حجرة عثرة في وجه كل بادرة جريئة أو عمل جدي، نتيجة رغبته المستمرة في الإستئثار وحده بكل شيء، وأصبح جحود رؤساء بعض الجمعيات الأمازيغية في الزعامة لا يختلف عن جحود عصمان أو أحرضان في القيادة الحزبية، فغابت الديمقراطية الداخلية داخل التنظيمات الأمازيغية، وأصبح كل من خالف رأي الزعيم عرضة للطرد أو التضييق، ومحط كل الشبوهات وموطأ كل الإشاعات، وأصبح بعضهم يدعي الديمقراطية باسم المجالس الوطنية التي تنعقد في وقتها، وليكن في علمهم أن القذافي كذلك و على عبد الله صالح رئيس اليمن وحسني مبارك حريصون كذلك على تنظيم الانتخابات الرئاسية في وقتها، أنظروا إذن إلى نخبنا التي لم تستوعب بعد معنى الديمقراطية كفكرة، فكيف لها أن تستوعبها في ممارساتها.

لقد أصبح من الممكن نعث بعض الجمعيات بجمعيات العقد الإجتماعي، أي جمعيات السيطرة التي لا تنسجم مع الافراد المكونين لها ولكن تنسجم مع ممثليهم، في شكل هيئات منشئة للقانون وليست ناشئة عنه، سالبة لحرية الرأي عند المنبع حيث أنها متحللة من كل التزام اثناء ممارستها لمهامها، ومن هنا تتضح ازدواجيتها ويتضح غموضها، فهي من حيث القوانين شرعية وعقلانية ونسبية وديمقراطية وفي ممارستها بيروقراطية ورجعية وسالبة للحرية وإطلاقية.

أما عن النخبة الأمازيغية التقليدية فقد أصبحت كما قال ميكل دوفرن في الفلاسفة "إن الفلاسفة لا يتحدثون فيما بينهم، وهم يتحدثون عن الناس ولكنهم لم يعدوا يتحدثون إلى الناس" ومثلهم في ذلك مثل النخبة الأمازيغية التقليدية التي تغيب بشكل ملحوظة عن الأنشطة الأمازيغية التي قد يصدر منها ما يخالف قواعد الأمازيغية الرسمية، وبدلا عن ذلك تسهر على إقامة لقاءات حميمية مصغرة تجمع بين محبي الأمازيغية الرسمية حيث النقاشات الهادئة والخالية من أي نقد أو انتقاد والمكثرة من "تانميرت-نك و أيوز-نك"، ويمكن الوقوف في ذلك عند محطات "ءيض ءيناير" حيث تغيب النخبة عن احتفالات رأس السنة الأمازيغية مع عامة المناضلين الأمازيغ، وتكتفي بتنظيم حفلات خاص بهم إما في مقر المعهد صحبة زوجاتهم وأبنائهم (المحظوظين) أو في إقامات معزول عن بقية "العامة"، ناهيكم عن ما يسمونه بالأنشطة الثقافية والفكرية التي تقام من حين إلى آخر بالمعهد الملكي دون سابق إعلام، والتي يحضرها من تم اختياره بعناية فائقة.

- العجز أمام الواقع الجديد:

أقر كل الإقرار بمبدأ التعددية وأعترف بشكل صريح  بانعدام الكمال وأومن كل الإيمان بآستحالة تحقق حلم ليبنتس في إقامة تنظيم كلي شامل يستوعب الكل، لكن ما أريد كشفه هو سؤال بسيط حول من يتحمل المسؤولية تحريف النضال الأمازيغي؟ وتعجيز الحركة الأمازيغية عن استيعاب الواقع الجديد وتوفير طرق وآليات جديد للتعامل مع هذا الوضع؟ 

لقد تمكن المخزن عبر ما يسميه ميشيل فوكو ب "البيو-بوليتيك"    "bio politique"، أي تدخل السلطة في تنظيم كل مناحي الحياة هذا التدخل الذي يمتد إلى مراقبة كل السلوكات البيولوجية للساكنة، وهو نوع من التشريح السياسي للجسد الإنساني، تمكن عبر هذه الآلية من معرفة سريعة لجسد النخبة الأمازيغية، فكانت عدة كراسي بالمؤسسة المولوية كفيلة بأداء الغرض المتمثل في تطويع الحركة الإحتجاجية بالأمس وترويضها على أداء الدور المنوط بها، فقد كان هدف المخزن تفريغ الحركة الأمازيغية من خطابها عبر مؤسسة رسمية تحمل خطابا مشابها ويتواجد فيه من كان يحتج عليه بالأمس القريب، فتكون الأمازيغية الحقة هي كل ما يصدر عن تلك المؤسسة، ومن يقول بغيرها فهو من الرعية الفاسدة التي تستحق أن تسلب حريتها، وكلنا نتذكر كيف خرج في الصفحات الأولى وبخط كبير بالجرائد الحزبية عبارة مفادها "حذار من إستعمال الأمازيغية لأهداف سياسية" فلم تجد تلك الجرائد ما تعنون به رؤية الدولة للأمازيغية سوى ذلك العنوان وكأن الأمر يتعلق بمنتوج تجاري جديد في الأسواق.

لقد اختلط الأمر على بعض الفاعلين الأمازيغ وترددوا وتناقضوا في مواقفهم إزاء المعهد فمنهم من دفع به الأمر إلى أن اعتبار الحركة الأمازيغية تعيش صراعات وتحولات عميقة، ومنهم من اعتبرها شبحا ولا يعترف إلا بوجود ذاته أو جمعيته، إلا أن الجانب الخفي في هذه التصريحات هو القاسم المشترك بينها واحد، ألا وهو الرغبة في المخزن أو خدمته، وهو في عمقه موقف يكشف عن عدم القدرة على التفريق بين "المحسوس" و "المعقول" حيث التعلق بالظواهر السطحية للأشياء ورفض الباطن على مستوى الواقع المباشر، ويوحي هذا إلى جدلية الصورة والمضمون، وهي فلسفة أقرب من المادية والآلية منها إلى العقلانية، وفي هذا الصدد يقول ليفي اشتراوس "إن كل من ينطلق من عملية الإحتماء بالبداهات المزعومة للذات، فإنه هيهات له أن يتمكن من الخروج منها"، وهو حال أصحابنا أعلاه وما ذلك سوى أفكار نمطية، يسميها أشهر الصحافيين السياسيين خلال القرن العشرين walter lippman ب "الصورة الموجودة في أذهاننا" أي الشيء الذي نريد أن نتصوره بعيدا عن إي اقتراح تصوري آخر، وهو في الواقع رفض للمعقول وإرضاء المحسوس، فكأن أصحابنا يريدون الإعلان عن موت مبكر للحركة الأمازيغية، ومن أجل إفادتهم فإن هذه النمطية تخلق مشاكل خطيرة منها:

-         المغالاة في تقدير الإختلافات بين الجماعات.

-         الإستهانة بالتباينات داخل الجماعات.

-         تحريف وتشويه الواقع.

-         تبرير السلوكات العدوانية أو الإستبداد حيث تصبح الأفكار النمطية مرادفة للتعسف.

وأصول هذه الثقافة تعود إلى الثقافة التي نعيش وننشأ فيها، من المدارس، الإعلام، الجرائد، الكتب، وغيرها...

ففي المغرب مثلا ينظر سكان الرباط مثلا إلى أنفسهم كبشر متحضر وذكي ومطلع فيما ينظرون إلى غيرهم من سكان الأرياف والمدن الصغرى على أنهم يتميزون بالسذاجة والطيبة والجهل، وهذا طرح عنصري لا يبعد عن الفكر النمطي الذي كان يصف السود بأنهم أقل ذكاء من البيض وبالتالي حرم السود من حقوق كثيرة لفترات طويلة من الزمن، وبمثل هذه النظر ينظر من يحتمي بالعمارات الزجاجية إلى من هو بالشارع.

         تنطلق هذه الإطارات الأمازيغية في حركيتها حين تتضح أمامها القواسم المشتركة لتلك الفئات، وهو وعي جوهري لتوجيه أنشطة الأفراد داخل هذه الإطارات، وبالتالي تصبح الجمعية وسيلة ذاتية لتحقيق المصالح الشخصية، وتبقى منعدمة ولا معنى لها دون هذه الأهداف، ومن هنا تصبح السلطة متجسدة وفق تعريف آدلر وماك كليلاند في أن السلطة خاصة من خصائص الفاعل، أو حافز يدفعه نحو زيادة تأثيره على الآخرين وعلى الأوضاع الإجتماعية، وهي قيادات مسكونة بعقدة نقص فطرية تسعى إلى سدها أو تجاوزها من خلال الحاجة إلى التفضل والعلو أو التسلط على الآخرين.

إن وعي التشابه والمغايرة مع الآخرين يتكون عند الفرد من خلال تفاعله مع البنية والعلاقات الطبيعية والضرورية التي يعقدها معهم، وتظهر ضرورة الوجود مع الآخرين لما يوفرونه جهود مكملة، وهي جدلية الطبيعة الإنسانية في مواجهة المشاكل التي يعجزون عن حلها بمفردهم فيكتشف الأفراد في علاقتهم بالآخرين وسيلة لتحقيق أو بلوغ هذا الحل، إنهم يكتشفون تسخرهم المتبادل "interdépendance" على حد قول جون بيير هوغ وإستيل مورين، إذيحيى الفرد منذ ولادته، في بيئة مشحونة بالدلالات، فللأشياء التي يراها ويصادفها، وظائف وقواعد للإشتغال والإستخدام، ولكل الأشخاص مواقع وأدوار ووظائف ومسؤوليات، وتبقى حركة الفرد هي التي تعطي المعاني للأشياء والأشخاص والعلاقات، فالحركة الأمازيغية حقيقة واقعية رغم أنها تعيش حاليا مشاكل ذاتية، إلا أن طمسها يستحيل استحالة طمس الهوية الأمازيغية نفسها.

- المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وعقدة الإعتراف:

شكل إحداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بداية تغيير سياسة الدولة في مواجهة الاحتجاج الأمازيغي الذي عملت على مأسسته "institutionnalisation" من خلال آلية الفصل 19، كما أثبت الأمر من وجهة أخرى أن الدولة المغربية لاتزال تنظر إلى الحركة الامازيغية بالعين ذاتها، حيث جاء إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطار نفس الوثيقة الدستورية التي تقصي الأمازيغية من بنودها وتجعل المغرب دولة إسلامية لغتها الرسمية العربية لا غير، وهي الوثيقة التي اعتبرت النخبة الأمازيغية التقليدية بالأمس تغييرها هو المدخل الحقيقي للنهوض بالأمازيغية وإعادة الاعتبار لها، حيث كانت مكونات الحركة الأمازيغية مجتمعة بالأمس على شعار "دستور علماني ديمقراطي شكلا ومضمونا يعتبر الأمازيغية لغة رسمية للمغرب إلى جانب العربية" إلا أن لجوء الدولة إلى توظيف تقنية التعيين لاستقطاب نخبة الحركة الامازيغية التي شكلت شرعيتها النضالية والعلمية القناتين التي أوصلتهما إلى كراسي المعهد، خلق ارتباكا وتوترا داخل الحركة الأمازيغية، وكان له وقع كبير على مطلب الدسترة، فمع إعداد ورفع المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مذكرة حول التعديل الدستوري إلى الملك، دون إطلاع باقي مكونات الحركة الأمازيغية على مضامينها حتى بعد تسليمها للمؤسسة الملكية، يشكك الباحث المهتم بشؤون هذه الحركة في أمر الإجماع على المطلب الدستوري أعلاه.

لقد نتج عن التهافت الفردي للنخبة الأمازيغية التقليدية إلى كراسي المجلس الإداري للمعهد وإلى جلب خواطر رجالات المخزن، والذي لم تستشر فيه قواعدها أزمة ثقة داخل الحركة الأمازيغية، وهذه الأزمة خلقت بدورها بؤر التوتر بين مكونات الحركة، نتج عنها ركود على مستوى القواعد اعتبرها البعض بمثابة فترة انتقالية وفرصة لإعادة ترتيب الأوراق واستجماع القوى لطي مرحلة وتدشين أخرى، فيما اعتبرها آخرون شيء من قبيل نهاية الحركة الأمازيغية، أما على مستوى النخبة فقد كان لها المعهد فضاء مناسبا من أجل تكريس عزلتها عن مناضلي الشارع (هنا أتذكر جيدا كيف استقبل أحد أعضاء هذه الهيئة مناضلين بالحركة الثقافية الأمازيغية بالرباط في إحدى المقاهي وهو بصدد تحيتهم فصاح "أزول أ ءيمازيغن" وكأنه لم يعد كذلك) أو مجالا لتصفية بعض الحسابات الشخصية،  فأصبح المعهد عبارة عن تكتل للوبي منبثق عن ما يمكن أنسميه ب "فكر الجماعة المحدودة" وهو تجمع شبه سياسي يواجه جميع التجمعات الأخرى، عمل شيئا فشيئا على تكوين نفوذ واسع، وحاولت النخبة من خلاله خلق امتدادات ومجالات لممارسة الأبوية وتكريس علاقات التبعية الشخصية، وتكرس لديها ثقافة للإنغلاق على كل جديد، وتبدو من خلالها الأصالة المبدعة والمبادرات الفردية بمثابة تهديد، موجه ضد هؤلاء الأفراد وهو ما يدفعهم إلى سلوك طرق غير شرعية لتأمين استمرارية هيمنة الذات على الإطار، ومن ذلك ما صرح به في الجرائد موظفون وأطر سابقة بالمعهد، وأحيانا تدفع هؤلاء الأفراد مرجعيتهم الرمزية إلى تصرفات تنزلق تدريجيا إلى العقم، حينما تغفل القيم والمبادئ كممارسة ويمسكون بالقواعد الشكلية والوهمية، فتحبط أنشطة الإبداع وأفكاره على اعتبار كونها أشياء هامشية وخطيرة، فالتسلط يفرض مقاربات شمولية، تؤدي حتما إلى فقدان المؤسسات لهويتها.

         لقد أضحت الهوة بين مثقفي المعهد ومناضلي الحركة شاسعة بسبب أخطاء قاتلة للقائمين على أمور المعهد نفسه، فابتكرت آلية دعم الجمعيات كي يقرب المعهد نفسه من الجمعيات وليس العكس، وهي آلية فاشلة كذلك في نظري حيث أن تغيير رؤى الناس من المعهد لن يفيد فيه المال أبدا، ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الجمعيات المتعاملة مع المعهد ما هي إلا جمعيات تنموية أو جمعيات تابعة لهيئات سياسية معروفة بمواقفها المتحجرة (السلبية) من القضية الأمازيغية، وهي جمعيات لا علاقة لها بالشأن الأمازيغي، لقد كان هاجس المعهد في هذا الشأن أن يقدما رقما للمعاملات معه، بل حتى إن عدم تتبعه لما يدعمه جعل إعداد مشاريع طلب الدعم من المعهد تعد في كراسي المقاهي بدلا من مقرات الجمعيات، كما أن القائمين على أمر هذه المؤسسة عملوا في جوانب أخرى من أجل تطويع وترويض باقي المكونات الأخرى للحركة عبر آليات قديمة/جديدة لكسب ثقة هؤلاء ونزع اعتراف غير مباشر منهم بالمؤسسة الرسمية للثقافة الأمازيغية.

إن المعهد يستخدم قيودا فصلها المفكران كروزيه وفريدبرك لتطويع وترويض الحركة الأمازيغية، وهي أربعة قيود بنيوية، تتصل مباشرة بالتنظيم المؤسسي وتطال جميع الفاعلين، وهذه القيود هي ما اعتبره موران بمثابة شروط اللقاء المؤدي إلى التفاعل، وهي:

1-  اكتساب الخبرة أو تخصص تقني مهمين، ونموذج ذلك الدورات التكوينية التي تقوم بها هذه المؤسسة لفائدة فاعلين أمازيغ في ميادين مختلفة كالتعليم، الإعلام،...

2-  علاقة المؤسسة بمحيطها وإظهار المؤسسة كنظام منفتح على المحيط "الجمعيات والفاعلين الأمازيغ"، وذلك من خلال المشاريع التي يمولها المعهد لصالح الجمعيات، وبالنسبة للفاعلين إحداث آلية إعداد بحوث بالتعاقد مع المؤسسة تمنح الباحثين تعويضات مالية لابأس بها.

3-  الإتصال ومجاري المعلومات: التحكم في شبكة المعلومة وهو ما يمنح لأعضاء هذه المؤسسة سلطانا يمكنهم من تلطيف العلاقة مع الفاعلين أي جدلية "سلطة المعلومة".

4-  الأحكام التنظيمية التي تحمي المؤسسة ذاتها، ومعناه أن علاقات السلطة تفرض مفهوم اللعبة، ففضاء التعامل مع المؤسسة أشبه بالحلبة، ويمكن أن نسميه ب"الحلبة السياسية"، ولكل من أراد الدخول لابد له من القبول بطبيعة لعبة التعامل التي يفرضها المعهد، وبالتالي يعرض الفاعل الجديد نفسه أمام اللعبة وأمام القيود البنيوية كفاعل إيجابي يتقبل استراتيجية وبنى المؤسسة الشكلية والغير الشكلية.

- عود على بدء:

عملت الدولة على إدراج الأمازيغية ضمن ملفات مسلسل (المصالحة) ومجالا للحديث عن الإنتقال الديمقراطي، إلا أن التباين في المنطلقات والغايات، واستمرار الارتجال في مجالات النهوض بالثقافة الأمازيغية، حال دون التقاء الإرادتين الرسمية والأمازيغية، هذه الأخيرة التي تتطلع إلى أن تصبح الأمازيغية المفتاح العمومي الذي سيتم من خلاله فتح أوراش التنمية الشاملة والدفع بالمغرب نحو دولة الحق والقانون، إلا أن الدواليب الرسمية ومعها النخبة الأمازيغية التقليدية تعاقدت على ملف الأمازيغية وفق تسويات وتوافقات نهائية غير قابلة للترميم أو التجديد أو إعادة التفاوض، فاصطدمت من خلال المؤسسة الرسمية بالشريك الحكومي كشريك عنيد، لا يضع الأمازيغية ضمن برامجه الحكومية، ففشلت الآلية الإتفاقية في بلوغ أهدافها مع انعدام مبدأ الإلتزام وعدم وضوح الرهانات، وغياب استراتيجية واضحة لعمل المعهد، وهو ما نتج عنه هزالة صورة المعهد لدى الرأي العام الأمازيغي، وتميزت حصيلة هذه المؤسسة بالنقص في العديد من المجالات وهي صيرورة بلا ذات "processus sans sujet"، وأصبحت الأمازيغية مع هذه النخبة الكلاسيكية في كل مكان وفي لا مكان "partout et nulle part".

Publicité
Publicité
Commentaires
مدونة انمور امازيغ تغجيجت
Publicité
مدونة انمور امازيغ تغجيجت
Archives
Derniers commentaires
Articles récents
Publicité